جددت يومية “الأحداث المغربية” النقاش حول مسودة مشروع القانون الجنائي، من خلال نشر ملف في عددها لآخر جمعة 19 فبراير (ع:5829)، بدعوى أن مسودة القانون تضمنت عقوبات مثيرة للجدل تستفز الحقوقيين في المغرب!!
واعتبرت الأحداث أن المواد التي أثارت الجدل، بالرغم من أن المغاربة سجلوا فرحهم بها، المواد التالية:
“- المادة 219: التي تجرم ازدراء الأديان، وأن “كل من قام عمدا بالسب أو القذف أو الاستهزاء أو الإساءة إلى الله أو الأنبياء والرسل، سواء بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات، أو مُختلف وسائل الاتصال السمعية البصرية والإلكترونية، سواء كان ذلك بالقول أو الكتابة أو الرسم التعبيري أو الكاريكاتوري أو التصوير أو الغناء أو التمثيل أو الإيماء أو أي وسيلة أخرى”.
– تغيير الدين (المادة 220 وما بعدها).
– المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان (المادة 222 وما بعدها)”.
وزادت الأحداث إيراد “عدم عقوبة الإعدام”، و”الإبقاء على العذر المخفض في جرائم الشرف”.
وتعليقا على ذلك كتب أحمد عصيد في ذات الملف تحت عنوان “بتطبيق المادة 219 سيتوقف الفكر ومنه الفكر الديني المجدد“: “المادة 219، التي تعاقب كل من قام عمدا بالسب أو القذف والاستهزاء والإساءة إلى الله والأنبياء أو الرسل، لا مكان لها في مسودة مشروع القانون الجنائي. فهي تمنح إمكانية الإيقاع بالناس دون أي مبرر معقول. لأن الاستهزاء بالأديان يمكن أن يتخذ طابعا أدبيا من خلال رواية أو فنيا من خلال عمل مسرحي أو سينمائي. وهذا ليس جريمة على الإطلاق وهو موجود في الحضارة الإسلامية بقوة في القرنين الثاني والثالث الهجريين. فهناك أشعار ومقامات وإبداعات أدبية، أبدعها مسلمون يضعون الكثير من المقدسات موضع سخرية ولم تعاقبهم على ذلك دولة الخلافة، بل اعتبروا أدباء وفنانين واعتبر إبداعهم فنا لا يمكن أن يدخل موضع تقييم للمواقف الفكرية والعقلانية أو السلوكيات اليومية“.
وعن هذا التحدي العلماني الذي يرفض بقاء أي حكم من أحكام الإسلام أو أي قيد على حرية الضمير والتعبير بمفهومها المتسيب عند الغرب اللاديني، أحببت أن أعلق بما يلي:
إن المغاربة الشرفاء المعتزين بانتمائهم وهويتهم الإسلامية، بالرغم من عدم تطبيق الشريعة كما ينص على ذلك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في المغرب، إلا أنهم استبشروا خيرا بما تضمنته مسودة القانون الجنائي بالإبقاء على تجريم “الردة” (تغيير الدين)، وتجريم المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان، وبالمادة التي جرمت وتعاقب من “قام عمدا بالسب أو القذف أو الاستهزاء أو الإساءة إلى الله أو الأنبياء والرسل..”.
وفي المقابل نجد أن عددا من الحقوقيين والكتاب العلمانيين يستنكرون الإبقاء على ذلك، وهم من يناضل من أجل قانون لا يعاقب على التنصل من أحكام الدين أو المجاهرة بمخالفتها، بل والجرأة على الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الإسلام باسم حرية الإبداع وحرية التعبير المتسيبين؛ ومن أبرز هؤلاء الناشط العلماني المتطرف أحمد عصيد.
ففي الوقت الذي يدعي فيه عصيد وأمثاله وأساتذته من المستشرقين الحاقدين على الإسلام على أن انتقاد الدين وأحكامه والجرأة على المولى جل في علاه لم يكن يمثل حرجا في الحضارة الإسلامية في القرنين الثاني والثالث الهجريين، هم من يستنكر قتل الحلاج والجعد بن درهم وابن المقفع وغيرهم ممن أظهروا عقائدهم الفاسدة ومذاهبهم الهدامة!! وهم من يستنكر حرق كتب ابن رشد، ومطاردة ابن سينا وغيره!!
أوليس والحال هذا أن الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية كانت تقوم بواجب الدفاع عن حرمات الدين وصونه من جرأة الزنادقة وأن علماء على مر التاريخ الإسلامي كانوا يقومون بالواجب الملقى على عاتقهم في الدفاع عن حرمات الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين“.
إن ادعاء عصيد أن المادة 219 ستوقف حتى حركة الفكر الديني المجدد، لا يفهم منه سوى أنه يريد فكرا دينيا مجددا محرفا للإسلام ومغيرا لأحكامه، وإلا فإن المغرب سار مسارا متقدما في إطار التجديد الديني وهو ما أفرز مؤتمر مراكش لـ”حقوق الأقليات الدينية”، ومطلب مراجعة مقررات التعليم الديني!!
كما أن استدلال عصيد باستحالة تطبيق تلك العقوبات في القانون الجنائي اتكاء على حرية الإبداع وعدم فرض القيود عليها كما يدعي، ليست سوى حجة يوجهها للذين يجهلون حقيقته، وإلا فإن عصيد لا يقصد فقط ما يدعيه من “حرية الإبداع” المتسيبة، بل هو يطالب بإلغاء تلك العقوبات حتى يتسنى للمسلم أن يغير دينه، فعندما يغير دينه يمكنه أن يصرح بما يعتقده، بما في ذلك ما يكون به مهاجمة مقدسات المسلمين..
وعصيد فقط لا يقدر على المصارحة بما يعتقد ولذلك يلجأ إلى الخطاب المزدوج، كما فعل في قضية مراجعة مقررات التربية الدينية مستدلا ومنتصرا لمطالبه الشاذة (العلمانية علمانية شاملة) بمؤتمر مراكش عن “حقوق الأقليات الدينية”، ومخرجاته التي تنص على التعايش مع الآخر والتسامح معه، في حين أنه لما استضافه المغربي المرتد رشيد في قناة الحياة التنصيرية، كالا للمغرب وسياسته وملكه وللمؤتمر التهم والسباب وأن تنظيم المؤتمر لا يعدو ضحكا على الذقون.
ولذلك فمطلب عصيد بإلغاء المادة 209 من القانون الجنائي إنما هو مطلب لخدمة مشروعه الفكري العلماني المتطرف؛ فهو بنفسه يتجرأ على الله سبحانه وتعالى الحكيم الخبير وعلى شرعه المحكم ويتهمه بالتناقض وعدم القدسية واستحالة القول بأنه الدين الوحيد الصحيح، كما سبق واتهم رسائل النبي صلى الله عليه وسلم بالإرهاب، ولتراجعوا سلسلة مقالته التي عنونها بـ”أسئلة الإسلام الصعبة”، لتدركوا ويدرك من لا يزال مخدوعا في الرجل، أن عصيد ليست مشكلته مع “الإسلاميين” كما يدعي ومع الفهم الخاطئ للدين أو السياق التاريخي (وشبهة تاريخانية النصوص)، بل مشكلته مع الدين الإسلامي أساسا، ويفضل عليه “يزرف” والقوانين العرفية التي كان يلجأ إليها الأمازيغ قديما إما جهلا بأحكام الإسلام أو رفضا للالتزام به.. وهي الأعراف التي ضمت من الجهالات والاعتداء على الحقوق الكثير، رغم ما يتبجح به، لأنه إنما ينتصر للفكرة وهواه وليس لمضمونها الكلي آنذاك، والفكرة هي أن تلك الأحكام العرفية مردها إلى البشر لا إلى ربّ البشر.
وبطلنا الياكوشي يطالب بأن يتحرر العقل من أية قيود دينية أو شرعية أو عرفية بالرغم من أنه لما كان محتاجا إلى استغلال جسد خليلته، وقع على أن علاقته بها إنما يرعاها الإله “ياكوش” على قاعدته في الخطاب المنافق إلا أن يكون بالفعل يعتقد عقائد الوثنيين ولا يصرح بذلك!!
والغريب عند من لا يعرفه أنه كتب بخط يده في ورقة العقد العرفي الذي جمعه بمزان (لأنه لم يصدر عنه أي تكذيب لكل ما ادعت ضده خليلته)، بأنه “المثير للفتن المشكك في القيم والعقائد”، ومع ذلك يدعي بعض المخدوعين أنه يمارس وظيفة الناقد والدارس، بطرح الأسئلة العقلية.
حتى لا نطيل، فمطالب عصيد وأمثاله تنصب في بوتقة منظومة القيم الغربية المتسيبة اللادينية، ولذلك تجده دائما ما يثير الفتن والزوابع بتصريحاته ضد الإسلام ومقدساته؛ وعليه لا يستغرب منه أن يقول: “من حق المفكر والفنان والمسرحي أن يسب الله ويستهزئ بالدين وشرائعه”، فلا حرمة عنده لهاته الأمور!!
0 التعليقات :
إرسال تعليق